دوة التحكيم السنوية للغرفة التجارية العربية الفرنسية
أخلاقيات التحكيم
التحكيم الاخلاقي، كان عنوان ندوة هذا العام التي نظمها مركز الوساطة والتحكيم لدى الغرفة التجارية العربية الفرنسية في باريس يوم السابع والعشرين من يونيو. ومرة اخرى اكد لقاء هذه السنة على تحول الندوة السنوية التي تنظمها الغرفة الى ملتقى لخبراء القانون اذ جمع مئات المحامين واساتذة القانون والجامعيين واهل الاختصاص الفرنسيين والعرب الذين جاءوا يتداولون في مواضيع الساعة ويتناقشون في افضل السبل لتطوير التحكيم ليظل على مستوى الرهانات والتحديات التي تطرحها مستجدات العولمة على التجارة الدولية والتبادل الاقتصادي.
افتتح رئيس الغرفة السيد هرفيه دو شاريت الندوة بتوجيه التحية الى المشاركين والمنظمين وبشكل خاص السيد باتريس موشون رئيس مركز الوساطة والتحكيم التابع للغرفة وجميع الذين يعملون الى جانبه ومنهم البروفسور جاك فواييه والمحامي جلال الاحدب وسائر الفريق العلمي واعضاء مجلس الادارة واشاد بجهودهم الحثيثة من اجل اعلاء شأن المركز وتطويره لكي يكون مرجعية في هذا الاختصاص تحظى بثقة الجميع.
واشار الرئيس دو شاريت الى أهمية التحكيم والوساطة في تسوية النزاعات، ونّوه باختيار التحكيم الاخلاقي عنوانا لملتقى هذا العام مشيرا الى انه موضوع الساعة وخيار من وحي تطور الاحداث، وشدّد على اهمية الجانب الاخلاقي في انجاح عمليات التحكيم مذكرا بان قضية رجل الاعمال برنار تابي وما تثيره حاليا في فرنسا مسألة التحكيم بشانها هي خير دليل على اهمية طرح الموضع الاخلاقي للنقاش لافتا الى ان هذه القضية يمكن ان تخلّف انعكاسات سلبية لدى الراي العام تنال من مصداقية وتميز هذه الصيغة في حل النزاعات كما يمكن ان تسيء الى سمعة باريس كمركز عالمي للتحكيم. وهذا كله يؤكد اننا امام موضوع خطير يستحق النقاش والمعالجة. واثنى السيد دو شاريت على العمل الذي انجزه السيد موشون بصبر وعزيمة وروح مهنية عالية معربا عن ثقته بان مداولات المنتدى ستمثّل اسهاما عمليا ونظريا كبيرا في تقدم قضايا التحكيم والوساطة.
وأكد السيد موشون في كلمته ان ندوة اليوم تشّكل مرحلة جديدة على طريق اعادة بناء نظام التحكيم لدى الغرفة التجارية العربية الفرنسية التي قال انها عملية بدات مع مراجعة نظام الوساطة والتحكيم عام 2011 واستمرت مع اعداد مشروع الميثاق الاخلاقي الذي تبناه مجلس ادارة اتحاد مراكز التحكيم في شهر ديسمبر الماضي وبدأ تطبيقه ابتداء من اول يناير 2014 واضاف موشون : ان عملنا في هذا المجال سيستمر من خلال المساهمة في المؤلفات التي ستصدر عن اتحاد مراكز التحكيم الذي تنتسب اليه الغرفة بل ساهمت في مؤسسيه.
ثم كانت كلمة الاستاذ جلال الاحدب الذي اشار الى اهمية الجانب الاخلاقي في مجتمعنا وكشف ان استطلاعا اجري العام الماضي على 100 الف مستخدم للانترنت اظهر ان اكثر كلمتين يستخدمهما هؤلاء هما:الكذب والشفافية، واضاف من الواضح ان هناك حاجة لاخلاقيات خصوصا في مجال التحكيم الذي هو موضوع اهتمامنا اليوم. ثم استعرض الاحدب المواضيع التي سيجري التطرق اليها ومناقشتها في الحلقات الثلاث التالية، وهي مسائل القواعد الاخلاقية ومدى اختلافها عن القواعد القانونية، ومسألة العلاقة بين المحكّم والاخلاقيات، وقضية الاخلاقيات وعناصر التحكيم الاخرى وخصوصا في مسألة المموّل الثالث.
الاطار الاخلاقي للتحكيم
الحلقة الاولى انطلقت تحت عنوان الاطار الاخلاقي للتحكيم وادارها رئيس المركز باتريس موشون وشارك فيها كل من جاك فواييه الاستاذ في جامعة (بانتيون ـ أساس باريس الثانية)، ورئيس المجلس العلمي لمركز الوساطة والتحكيم في الغرفة، السيد بيار دوبراي المحامي في نقابة محامي باريس والخبير في مكتب محاماة (لينكلاترز)، والسيدة ليا أمبلر، خبيرة قانونية في قسم مكافحة الفساد في منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي، والمحامي اللبناني سليم المعوشي، (مكتب بدر وسليم المعوشي) عضو مجلس الوساطة والتحكيم في الغرفة، والسيد برتران مورو، من نقابة محامي باريس ورئيس لجنة التحكيم في جمعية التحكيم الفرنسية.
السيد جاك فواييه بدأ بالاشارة الى ان القوة الملزمة للقواعد الاخلاقية،و طرح مسألة المقاربة الاخلاقية في ممارسة التحكيم مستشهدا بعبارة رومانية تقول ان العادات الحميدة افضل من افضل القوانين، وقال ان الاخلاقيات تهدف الى اضفاء روح جديدة على التحكيم الدولي، وعلى الاقل التحكيم الداخلي هو اليوم في امس الحاجة اليها. واعترف البروفسور فواييه بصعوبة تحديد مفهوم للاخلاقيات قائلا ان ممارستها اسهل من تعريفها، وتطرق الى عدة تعريفات مقترحة منها : افعل ما هو جيد ولا تفعل ما ليس جيدا. وقال ان علم الاخلاقيات لا يدعي الحقيقة المطلقة، وبعد سرد عدة محاولات واقتراحات انتهى الى تاييد مفهوم يقول ان هدف الاخلاقية ان تحدد القيم التي تتوافق مع السلوكيات المدافعة عن المصلحة العامة.
اما عن العلاقة بين الاخلاقيات والقانون فيرى فيها البروفسور فيها نفس المصاعب التي نجدها بين العرف والقانون، وهذا ما يدفعه الى القول ان الاخلاقيات هي فكرة ملحقة بالقانون ولكن لا غنى عنها، وهو يرى ان الاخلاقيات ، حاضرة دائما في التحكيم، وهي لا تخص فقط المحكّم بل ايضا جميع الاطراف والمستشارين، وقال انها تتعلق بمفهومين اساسيين هما الاستقلالية والحيادية. واذا كانت فكرة الاستقلالية سهلة الفهم نسبيا وتفرض غياب اي علاقة بين المحكم والمستشار الا ان الحيادية تبدو اكثر تعقيدا وتتطلب استعدادا نفسيا. فالاستقلالية عمل موضوعي فيما الحيادية تصرف ذاتي، وقال: من الصعب التزام الحيادية والاستقلالية ولهذا
السيد بيار دوبراي تناول في مداخلته مسألة التزوير في التحكيم وقال انها اقل شيوعا من التزويرفي الانتخابات أو الاحتيال الضريبي وغيرها من اعمال الغش، لكنه اشار إلى حصول عدد من القضايا مؤخرا كانت لها تداعيات خطيرة مؤذية على التحكيم بحيث تم الربط بين آلية التحكيم وسهولة الاحتيال وتجاوز القواعد القانونية في وقت ان واقع التحكيم مختلف عن ذلك كليا اذ ان عددا كبيرا من القضايا تجري معالجتها بشكل لا غبار عليه. واستعرض طرق ممارسة الاحتيال والتزوير في التحكيم والامكانيات المتوفرة لمكافحة هذه الظاهرة. وعدد انواع الاحتيال في التحكيم، بين تزوير بواسطة التحكيم اي في اصدار الحكم، والتزوير في عملية التحكيم وايضا ان يكون الاحتيال غرض التحكيم. أما بالنسبة للوسائل المتوفرة لمكافحة ذلك فقال ان المؤشرات التي تسمح بكشف التزوير من خلال الحكم الصادر قليلة جدا، خصوصا اذا ما كان المحكم ضالعا ومتواطئا، وفي المقابل من الممكن مكافحة الوسيلتين الاخريين بسهولة خصوصا من خلال اعتراض طرف ثالث أو مراجعة الحكم أو المطالبة بالغائه.
اما موضوع النقاش الثالث فكان حول مسألة تعزيز نزاهة التحكيم ومكافحة انحرافاته من خلال شهادة السيدة ليا أمبلر التي ردت على استفسارات المحامي سليم المعوشي. وشرحت السيدة امبلر كيفية العمل في منظمة التنمية والتعاون والاجراءات التي تتبعها في تقييم الاطار القانوني لكل بلد والوسائل المعتمدة لمحاربة الفساد. ونفت وجود نظرة مسبقة عن التحكيم داخل المنظمة،سلبية كانت ام ايجابية، ورغم ذلك اعتبرت ان التحكيم يعاني من نقص في الشفافية لافتة إلى ان سرية العملية تحول دون الكشف عن بعض الشكوك وهذا ما يمكن ان يعطي صورة عن التحكيم قد يكون وسيلة لاخفاء بعض الاعمال غير القانونيةاو المشروعة. واشادت السيدة أمبلر بتبني الشرعة الاخلاقية واعتبرتها تطورا هاما لكنها دعت إلى تطويرها اكثر بحيث تشمل تبادل المعلومات بين كافة اطراف التحكيم والسلطات القضائية المحلية في حال ظهور شكوك بالفساد الاقتصادي خلال عملية التحكيم.
وكانت مداخلة نقيب محامي باريس المحامي بيار اوليفييه سور الذي عبر عن سعادته في المشاركة في اعمال هذا المنتدى الذي تنظمه الغرفة التجارية العربية الفرنسية التي وصفها بانها صلة وصل بين فرنسا والدول العربية، واشار إلى ان العالم العربي يتأثر بالقانون الفرنسي منذ حملة نابوليون في مصر التي حملت القانون المدني الى تلك البلاد، ودعا إلى تعاون قانونيين فرنسيين مع قانونيين من العالم العربي . ولفت نقيب المحامين إلى المكانة المرموقة التي تحتلها باريس في التحكيم الدولي مذكرا بعبارة ميشال دوبريه الشهيرة: لندن ستكون غدا عاصمة المال وباريس عاصمة القانون داعيا الى الحرص على هذه المعادلة. وختم كلامه بالتاكيد على اهمية ان يعمل القانونيون الفرنسيون والعرب يدا بيد لان ذاك يدخل في المسار الطبيعي للتاريخ واضاف: لكن هذا الامر لا يثمر الا اذا كنا اخلاقيين.
وبعد كلمة نقيب المحامين، استعرض السيد برتران مورو شرعة اخلاقيات اتحاد مراكز التحكيم مؤكدا على انها تشكل تطورا هاما للتحكيم وبخاصة التحكيم الدولي حيث تتعايش ثقافات مختلفة وحيث تتطو بعض المبادىء شيئا فشيئا إلى مصاف القوانين. وقال ان المهم هو ان نحدد ما يمكن فعله وما لا يمكن فعله، مايجب فعله وما يجب عدم فعله، واشار إلى ان هذه الشرعة تغطي كل مجالات التحكيم وهي تتوجه إلى عملية التحكيم بكاملها وتقدم مسلكية مشتركة لجميع الاطراف التي تصبو كلها إلى هدف واحد الا وهو احقاق العدالة بكل ما فروضها. واكد ان هذه الشرعة لا ترسم ليس فقط اخلاقيات عامية بل سلوكيات اخلاقية برسم كل من الاطراف لكي يؤدي كل طرف دوره بروح الجماعة وبما يسهل البناء المشترك للحكم.
الجلسة الثانية
الجلسة الثانية كانت بعنوان: اخلاقيات المحكّم، وادارها البروفسور توماس كلاي نائب رئيس جامعة فرساي والعميد الفخري لكلية الحقوق والعلوم السياسية، ونائب رئيس المجلس العلمي لمركز الوساطة والتحكيم لدى الغرفة التجارية العربية الفرنسية، وكان الى جانبه ماتياس شيرير المحامي في نقابتي جنيف وبرن في سويسرا ومكتب لاليف، المحامية ايرين ليجيه من نقابة باريس ومكتب تينييه وبيك وشركاه، والمحامي فيليب لوبولانجيه مؤسس مكتب لوبولانجيه وشركاه. وبدأ البروفسور توماس كلاي حديثه بالاشارة إلى اهمية الموضوع المطروح للنقاش وصعوبته في آن، والدليل الموقع الهام الذي تخصصه الشرعة إلى المحكّم وكثرة الواجبات والالتزامات الاخلاقية التي تفرضها عليه. وقدم العناوين التي ستناقش في الجلسة وهي اسقلالية المحكّم وشفافيته واستقامته ومهنيته والمسألة الاخلاقية التي تطرح عندما يتصرف المحكم وكأنه مقدّم خدمات فقط.
وتناول المحامي ماتياس شيرير مسألة الشفافية وتضارب المصالح وسأل إلى اي حد يمكن ان نذهب في تحديد مفهوم تضارب المصالح وما اذا كان من واجب المحكّم ان يكشف عن هذا الامر، وتطّرق إلى المسألة من خلال ثلاث زوايا : الاطار الشرعي للقانون السمح والاطار الجامد للقانون، واطار الواقع الصعب. واشار إلى ان اصول الاطار الاول تفرض اعتذار المحكّم عن المهمة، اذا ما رأى ان ثمة شكوكا في في قدرته على العمل باستقلالية وحيادية، واضاف صحيح ان الاعتذار هو من واجب المحكّم وحده الا ان هذا الواجب ينسحب على الاطراف ومستشاريهم. أما الاطار الثاني فهو يطرح ثلاثة مبادىء: واجب المحكّم ان يكشف عن تضارب المصالح، واجب التطفل لدى المستشارين لمعرفة الامر وواجب الاطراف في الاعتراض. أما بالنسبة لاطار الواقع الصعب فهو يدفع الى التساؤل عما اذا كانت المعايير الحالية تتلاءم فعلا مع الحرص على الشفافية.
السيدة ايرين ليجيه، تطرقت إلى مبدأ استقامة المحكّم وتساءلت عما اذا كانت الاستقامة تشكل مبدأ رفيع الرمزية ولكن مستحيل التحقيق بحيث يبدو انه من وحي الخيال أو امنية يصعب تحقيقها و وذكرت بفيلم سينمائي للمخرج اوديار حيث يرى الممثل جان غابان الاستقامة كمحاولة انتحارية ويرى ان هناك نوعين من السموم لا يجب اللجوء اليهما الا في الحالات القصوى وهما: مادة السيانور والاستقامة. وذكرت ان الاستقامة هي واجب يفرض نفسه على كل اطراف التحكيم ومن واجب القاضي ضمان احترام الجميع لها. وفي الوقت نفسه اشارت السيدة ليجيه إلى ان الاستقامة تعني قانونيا الصدق والنية الحسنة وتعني في الجدل القانوني حسن التصرف. وتحدثت عن مصدرين للاستقامة، مصدر مهني تعاقدي، ومصدر اخلاقي . ولفتت إلى ان الاستقامة لا تتضمن محتويات خاصة بها في النصوص وان الفقرة 3 من المادة 1464 تضعها في نفس مصاف السرعة في التحكيم وهي مسألة تقنية، ومن هنا ظهر الصعوبة في الذهاب ابعد من تدوين الاستقامة كمبدأ. واضافت: لكننا يجب ان نكون قادرين على ان نواجه، بالاستقامة، كل الممارسات المدانة التي تنتهك الثقة المشروعة التي يضعها الاطراف في المحكّم . وفي النهاية لفتت الانتباه إلى ضرورة ايجاد التوازن بين الحاجة لفرض قواعد اخلاقية وومراقبة عدم مبالغة اطراف التحكيم بها. ومن هنا اهمية وفائدة وجود شرعة اخلاقيات محددة.
المحامي لوبولانجيه ركز على تحول المحكّم إلى مقدّم خدمات، وتساءل عما اذا لم يكن دور المحكّم هو فقط دور الحكيم.واستدرك قائلا انه في امكان المحكّم ان يكون وكيلا اقتصاديا. واستعرض المقومات التي تصنع من المحكّم مقدم خدمات مشيرا إلى تاهيله القانوني المميز وثقافته العامة الجيدة واجادته المعمقة للغات الاجنبية وطاقته على التكيف مع العقليات الاجنبية ومعرفته بطرق عمل المؤسسات وحاجاتها وشهرته و جهوزيته، وأضاف الى كل هذه الخصال فضيلتين راى انهما تصنعان المحكّم الجيد وهما: الاستقلالية والحيادية وطبعا حس العدالة. وما دامت كل هذه القيم هي قيم غير تجارية فهل يوجد اذن سوق للتحكيم؟ رد المحامي لوبولانجيه بالايجاب قبل ان يضيف ان المحكّم بصفته قاضيا لا يخضع لقانون السوق لان واجبه هو النطق بالقانون وهو بذلك وكيل اخلاقيات معولمة للاعمال. وهو كوكيل شرعي يخضع لحرية العمل ولقوانين التنافسية. ويعترف السيد لوبولانجيه بوجود توجه نحو احترافية المحكّم لكنه يرفض وجود مهنة المحكّم ويفضل عليه عبارة النشاط. وختم كلامه بالتساؤل عما اذا لم تكن كثرة القواعد الاخلاقية التي تلجأ اليها كل هذه المؤسسات تهدد بمفعول عكسي.
الجلسة الثالثة
الجلسة الثالثة والاخيرة كانت مخصصة لموضوع الاخلاقيات في مواجهة اطراف التحكيم وادارها المحامي جلال الاحدب، نائب رئيس مركز الوساطة والتحكيم والمحامي في باريس وبيروت ونيويورك ، المحامي سيلفستر تانديرو دو مارساك عضو مجلس التحكيم في المركز، المحامي المصري كريم يوسف دكتور في الحقوق، المحامية صوفي هنري المفوضة العامة في مركز الوساطة والتحكيم، المحامي نسيب زيادة والمحامي غي لوباج والمحامي جاك الكسندر جونيه عصو مجلس التحكيم في المركز. وكانت هذه الجلسة عبارة عن اسئلة واجوبة بين الخبراء، وكان السؤال الاول عن دور ومسؤولية مجالس التحكيم وموقع المحامي في مجتمعاتنا والنظرة اليه واخلاقياته في التحكيم . ورأى السيد سيلفستر دو مارساك ان المحامي يشغل موقعا هاما نظرا لتعدد وتنوع الانظمة وفي ظل هذا التنوع عليه ان يقود موكله نحو افضل الخيارات واكثرها ملاءمة لمصالحه كما ان عليه ان يرافقه طوال العملية. أما السيد كريم يوسف فكان له راي مخالف اذ اعتبر ان الاتفاق بين الموكل ومستشاره قد يكون صعبا احيانا، وهو لا يوافق على الدور المهيمن للمستشار في العملية التحكيم. وحول سؤال عن الممارسات الانحرافية في سلوكيات بعض المستشارين فيوافق كل من دو مارساك ويوسف على اننا نشهد اليوم سلوكيات عدائية بسبب اهمية الابعاد الاقتصادية الضخمة ولوجود عدة اطراف في العملية الواحدة يملكون اهدافا مختلفة وبالتالي اخلاقيات مختلفة بعض الشيء. من جهة المحامي ومن جهة المحّكم ، ولهذا نشهد عمليات زعزعة وممارسات تذهب بعيدا في بعض الحالات. وتمحورت الاسئلة التالية حول معرفة الحدود بين الاخلاقيات، والتساؤل عن الطرف المخوّل بمعاقبة مستشار على سلوكيات تتخطى المقبول. واشار كريم يوسف إلى قوننة بعض القواعد الاخلاقية ما من شانه ملء الفراغ الملحوظ لكنه حذر من المبالغة في وضع الضوابط على التحكيم يما ينزع عنه جاذبيته. وفي راي دو مارساك ان محكمة التحكيم لا يمكنها ان تعاقب مستشارا بل من المستحسن ان تقوم بذلك النقابة التي ينتمي اليها وقال في هذا المجال انه يعود إلى الاطراف اختيار المكان الذي يوفر أكثر قدر من الضمانات في هذا الخصوص.
أما في ما يتعلق باطراف التحكيم الاخرى الذين يتحملون بدورهم مسؤولية اخلاقية لانهم يلعبون دورا هاما في هذا السوق وفي طريقة تطوره ومساره. وسأل جلال الاحدب صوفي هنري ونسيب زيادة عن مبدأ مسؤولية مراكز التحكيم قائلا ان هذه المراكز يجب ان تسهر على احترام كل اطراف التحكيم كافة الاحكام التشريعية وقواعد مراكز التحكيم والقواعد الاخلاقية الواردة في الشرعة، واضاف ان مراقبة ذلك يمكن ان تجري على مستويات عدة لجهة استقلالية المحكّم أو حياديته أو جهوزيته او كفاءته. وقال نسيب زيادة ان الاخلاقية ليست مفهوما جامدا بل هي تتطور باستمرار وبعض الممارسات التحكيمية التي كانت مقبولة منذ سنوات لم تعد مقبولة اليوم ومؤسسات التحكيم لا يمكن ان تظل جامدة امام موجة التغيير هذه وعليها اتخاذ المبادرات من اجل اعداد اصول وومدونات سلوك لتفرض النظام اللازم . وبشان العقوبات ، انضمت صوفي هنري الى الموقف الرافض لطرد المستشار على يد مركز التحكيم وقالت ان طرد مستشار ليس دور مركز التحكيم بل عليه ان يسهر باستمرار على حسن سير التحكيم. ودعا نسيب زيادة الى ان تكون المراكز شديدة الحزم في هذا الموضوع. وقال ان نظام التحكيم في مؤسسة يجب ان يضم احكاما تسمح للمحكّم باتخاذ كل الاجراءات المناسبة بحق المستشارين الذين يحاولون عرقلة عمل المحكمة أو يلجأون إلى وسائل تسويف ومماطلة مخالفة للسلوكيات الاخلاقية.
وكانت المواجهة الاخيرة بين غي لوباج وجاك الكسندر جونيه حول انتشار ظاهرة الطرف الثالث الممّول وما تطرحه من اشكالية على املستوى الاخلاقي . وسأل السيد جونيه عن ماهية الممّول الثالث والسبب وراء ظهور هذا الطرف في عمليات التحكيم، وما اذا كان يصنّف في عداد الصناديق الاستثمارية الجشعة، وما هي الفائدة من اللجوء إلى ممول ثالث والى اي حد يمكن ان يعوّض دخول هذا الطرف النقص في آلية التامين؟ واشار السيد لوباج في رده إلى ان المموّل الثالث هو عادة شخص يقوم بتمويل دعوى يقوم بها شخص آخر مقابل أجر، وقال ان نشأة هذا الطرف كانت بسبب عولمة الاقتصاد والتكاليف المرتفعة لعمليات التحكيم والنقص في عروض التامين التي تغطي تكاليف التحكيم. وراى ان الممول الثالث ليس مثل الصناديق الجشعة نظرا لكون الزبون الموكل يظل صاحب الحق. وراى الكسندر جونيه ان ظهور هذا النشاط الجديد هو مدعاة قلق اذ تطرح معه مسألة الشفافية وضرورة الكشف عن وجود ممول ثالث في دعاوى التحكيم، وتساءل اذا ما كانت هناك مدوّنة اخلاقية خاصة بهذا النشاط. وكان جواب السيد لوباج بان مظاهر القلق الوحيدة التي يلحظها هي في القوة المالية الضاربة التي يتمتع بها المموّل الثالث بما يدفع للتساؤل عن مصادر امواله وبالتالي السؤال عما اذا كان الموكل يظل يملك حرية التفاوض, واشار اخيرا إلى وجود مدونة خاصة وشرعة اخلاقية ودليل عملي حول تمويل التحكيم بواسطة الممول الثالث وذلك درءا للتزوير والفساد.
والقى السيد موشون كلمة الختام متوجها بالشكر إلى جميع المشاركين على أمل اللقاء في ندوة العام المقبل للنقاش في موضوع جديد قال ان البحث فيه قد بدأ منذ الآن في مجلس ادارة مركز الوساطة والتحكيم التابع للغرفة التجارية العربية الفرنسية.
شــراكة اعلامية
شــراكة